حـسـن عـبـد الـله الخـلـف -صحفي سوري
:
بدعوة من المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث بدولة قطر الشقيقة وعاصمتها الدوحة حلت فرقة الرقة للفنون الشعبية للمشاركة بيوم التراث العالمي لتقديم رقصاتها التراثية على مسرح القرية التراثية،
وفي الوقت ذاته هناك من يعمل بصمت ويحرص على تقديم التراث العربي الأصيل. وعندما نشاهد تراثنا بشكله الصحيح نعيده للذاكرة من دون ابتذال ومن المهم التفريق بين العمل الذي يترسخ في الأذهان، وبين العمل الذي يزول بزوال صورته.
عندما نشاهد عرضاً لفرقة الرقة للفنون الشعبية فالأمر مختلف تماماً، وذلك بسبب نوعية الفرقة ومدربها الفنان الملتزم بالموروثات الشعبية والمطور لها، الأستاذ إسماعيل العجيلي، الذي تميز في تقديم الماضي بصورة الحاضر بشكل غنائي وراقص، وبأسلوب جديد جمع الفلكلور المغنى مستنداً إلى ذاكرة الآباء والأجداد، معتمداً على أسلوب الحركة الراقصة التي تتلاءم مع اللحن والإيقاع والنظم، لتعبر كل هذه التفاصيل عن تضاريس اللحن وزخارفه للحفاظ على التراث دون تشويه. والعجيلي أحب تراثه وعمل عليه محققاً المعادلة الصعبة في تلاحم روحه مع روح العصر، فبدأ يعمل بأسلوب منهجي حقيقي فجمع التراث ووثقه واستنبط عناصره الأساسية لتوليد تركيبات جديدة تحافظ على جمالية الماضي وتحقق اندماجه في الحاضر.
إسماعيل العجيلي يعمل منذ ثلاثين عاماً ونيف، ففرقته طورت التراث وأخرجته من صناديق المتحفية ليحلق نحو آفاق الحرية وليسمو الواقع في لوحاتها إلى مصاف فنٍ إنساني يضج بالحيوية والرشاقة والإبهار.
القرية التراثية حيث قدمت الفرقة المسرحية الغنائية ليل البوادي ورقصة اللالا والدلعونا والماني والأسمر وهي أعمال بانورامية غنائية احدها يحتمل اكثر من لحن وكان تفاعل الجمهور القطري مشاركا مع الفرقة لان التراث مشترك فيما بيننا.
وتوجت زيارة الفرقة بلقاء جميل خلا من اي بروتوكول مع سمو الشيخ مشعل بن جاسم آل ثاني الذي رحب بالفرقة وتحدث بلغة العاشق والخبير في التراث العربي والعالمي وتراث بلاد الشام وخصوصا التراث السوري وعن الرقة وماتحمل من تراث قديم وبلغة شاعرية تحدث عن الفرات وعن حبه لسورية وقال (ليس غريبا ان تكون دمشق عاصمة للثقافة العربية لانها موطن التراث العربي والحضاري) وكان حديث الشيخ مبارك بن ناصر آل خليفة أمين عام المجلس وهو العارف بدمشق وتراثها ابلغ الأثر في نفوس اعضاء الفرقة.
عن البدايات والمشاركات يقول العجيلي: أسست فرقة الرقة للفنون الشعبية في أواخر عام 1969 واكتملت مع بداية 1970 وكان معظم عناصرها الذين بلغوا 30 طالباً وطالبة من الطلاب المتفوقين وقد أصبح الكثير منهم في مواقع متقدمة دراسياً واجتماعياً فمنهم الطبيب والمعلم والصيدلاني والحقوقي والمهندس وأغلبهم من آل العجيلي في البداية وذلك لصعوبة المحافظة وتقبل أهلها للفن واليوم تعتبر فرقة الرقة معهداً بحد ذاته يرفدها كل أبناء الوطن ومن جميع المحافظات السورية.
تعاون الفنان العجيلي مع كثير من الملحنين والمطربين والشعراء ومن أهم ما كتب للفرقة حول المسرح الغنائي والفن الأصيل المرحوم الدكتور عبدالسلام العجيلي، ومن الملحنين منهم: (عدنان أبو الشامات، سمير كويفاتي، نوري اسكندر، زكي ناصيف، ومن المطربين علي حليحل، غسان صليبا وميادة بسيليس، ردينة الحسن، ومن الشعراء الدكتور باسم القاسم ومحمود الذخيرة).
حول توجهه للوحات الغنائية يقول إسماعيل: في فترة التسعينيات اتجهت نحو اللوحات الغنائية الراقصة دون الدخول إلى عالم المسرح مكتفياً بحوار اللحن والجسد ومن هذه اللوحة لوحة البانوراما الجزراوية التي قدمتها من خلال مجموعة من الأغاني التي تمثل التراث الفراتي الذي يمتد من ثلاث محافظات سورية (الرقة دير الزور الحسكة).
وحول تقديم الرقصات في إيقاع سريع يقول العجيلي هناك مسألة هامة تتعلق بتقديمي للرقصات فأنا آخذ الرقصة القديمة وأجري عليها تعديلات دون أن أقوم بتشويهها فالسرعة بالحركة ترجع للموسيقى لأننا لو أخذنا الأغاني الفلكلورية التي تغنى بالأعراس فكلها رتيبة، وبالتالي الرقصات التي تؤدى على نغماتها إذا ما أردنا تقديمها كما هي تصبح مملة على المسرح لهذا فأنا أقوم بالتجديد على صعيد الحركة واللباس والموسيقى ولكن بشرط الإبقاء والمحافظة على الأصالة.
وحول الوصول الى منابع التراث والصعوبة في ذلك يقول إسماعيل العجيلي: الفلكلور أمر صعب ومعقد في معظم الأحيان وغالباً ما أفتش عن الأماكن الأصلية لتواجد الرقصات والأغاني ومن ثم أقوم باستقائها، كما أعتمد على حفظة هذا الفلكلور من كبار السن الذين بلغوا الثمانين فما فوق حيث أسجل حكاياتهم وأقوم بتقديمها كمسرح فلكلوري في كل سنة والبحث عن التراث يتعدى الرقة ويذهب الى جميع المحافظات ،فأنا أقوم بجولات إلى كافة أرجاء سورية وأحياناً أتجاوز فأذهب الى لبنان لدراسة فلكلور معين وهذا ما حصل مع عرض (اللالا) الذي جمعته في (14) لحنا وقدمته في ربع ساعة والدلعونة كذلك 15 لحناً خلال ربع ساعة.
وعن عملية اختيار الراقصين يقول العجيلي تبدأ من المرحلة الابتدائية فأعمد إلى اختيار بعض الطلاب وأعمل على تدريبهم فأنا لدي معهد دائم يقوم برفد الفرقة بالوجوه الجديدة الشابة لأن عمر الراقص المهني محدود لا يتجاوز 16 سنة للفتاة و17 سنة للشاب فالراقص يحتاج إلى جهد كبير ولياقة وقدرة على التحمل.
هنا نودع الدوحة التي لم نشعر بها اننا خارج سورية فحفاوة وكرم اهلها جعلنا نسهر ونرقص طربا مع هذا الشعب حتى الصباح ومتابعة الاستاذ فالح العجلان الهاجري والاستاذ محمد عيسى الجابر تجعلنا نقول الى اللقاء يادوحة الخير يادوحة الامان بعهد سمو الأمير الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني حفظه الله في مهرجانات قادمة.